فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} أعيد لتهويله وتفظيع ما يقع فيه وهو ظرف للفعل بعده، وقوله تعالى: {يَوْمَئذٍ} على ما ذكره الطبرسي بدل منه.
وفي البحر التنوين في {يَوْمَئذٍ} تنوين عوض من الجملة المحذوفة أي ويوم تقوم الساعة يوم إذ يبلس المجرمون {يَتَفَرَّقُونَ} وظاهره أن {يَوْمَئذٍ} ظرف لتقوم، ولا يخفى ما في جعل الجملة المعوض عنها التنوين حينئذٍ ما ذكره من النظر.
وفي إرشاد العقل السليم أن قوله تعالى: {يَوْمَئذٍ يَتَفَرَّقُونَ} تهويل ليوم قيام الساعة إثر تهويل وفيه رمز إلى أن التفرق يقع في بعض منه، وفي وجه الرمز إلى ذلك بما ذكر خفاء، وضمير {يَتَفَرَّقُونَ} للمسلمين والكافرين الدال عليهما ما قبل من عموم الخلق وما بعد من التفصيل، وذهب إلى ذلك الزمخشري وجماعة.
وقال في الإرشاد: هو لجميع الخلق المدلول عليهم بما تقدم من مبدئهم ومرجعهم وإعادتهم لا المجرمون خاصة، وقال أبو حيان: يظهر أنه عائد على الخلق قبله وهو المذكور في قوله تعالى: {الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ} [الروم: 11] والمراد بتفرقهم اختلافهم في المحال والأحوال كما يؤذن به التفصيل، وليس ذلك باعتبار كل فرد بل باعتبار كل فريق، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال في ذلك هؤلاء في عليين وهؤلاء في أسفل سافلين، والتفصيل يؤذن بذلك أيضًا، وهذا التفرق بعد تمام الحساب.
{فَأَمَّا الذين ءامَنُوا وَعَملُوا الصالحات فَهُمْ في رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}.
الروضة الأرض ذات النبات والماء، وفي المثل أحسن من بيضة في روضة يريدون بيضة النعامة، وباعتبار الماء قيل: أراض الوادي واستراض أي كثر ماؤه وأراضهم أرواهم بعض الري من أراض الحوض إذا صب فيه من الماء ما يوارى أرضه، ويقال: شربوا حتى أراضوا أي شربوا عللًا بعد نهل.
وقيل: معنى أراضوا صبوا اللبن على اللبن، وظاهر تفسير الكثير للروضة اعتبار النبات والماء فيها، وأظن أن ابن قتيبة صرح بأنه لا يقال لأرض ذات نبات بلا ماء روضة.
وقيل: هي البستان الحسن، وقيل: موضع الخضرة، وقال الخفاجي: الروضة البستان وتخصيصها بذات الأنهار بناءً على العرف، وأيًا ما كان فتنوينها هنا للتفخيم والمراد بها الجنة، والحبر السرور يقال: حبره يحبره بالضم حبرًا وحبرة وحبورًا إذا سره سرورًا تهلل له وجهه وظهر فيه أثره، وفي المثل امتلأت بيوتهم حبرة فهم ينتظرون العبرة، وحكى الكسائي حبرته أكرمته ونعمته، وقيل: الحبرة كل نعمة حسنة والتحبير التحسين، ويقال: فلان حسن الحبر والسبر بالفتح إذا كان جميلًا حسن الهيئة، واختلفت الأقوال في تفسيره هنا فأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس، وابن أبي حاتم عن الضحاك أنهما قالا: يحبرون يكرمون.
وأخرج جماعة عن مجاهد يحبرون ينعمون، وقال أبو بكر ابن عياش: يتوجون على رءوسهم.
وقال ابن كيسان: يحلون، وقال الأوزاعي ووكيع ويحيى بن أبي كثير: يسمعون الأغاني، وأخرج عبد بن حميد عن الأخير أنه قال: قيل: يا رسول الله ما الحبر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: اللذة والسماع.
وذكر بعضهم أن الظاهر يسرون ولم يذكر ما يسرون به إيذانًا بكثرة المسار وما جاء في الخبر فمن باب الاقتصار على البعض، ولعل السائل كان يحب السماع فذكره صلى الله عليه وسلم له لذلك، والتعبير بالمضارع للإيذان بتجدد السرور لهم ففي كل ساعة يأتيهم ما يسرون به من متجددات الملاذ وأنواعها المختلفة.
{وَأَمَّا الذين كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآياتنا} التي من جملتها الآيات الناطقة بما فصل {وَلقَاء الآخرة} أي وكذبوا بالبعث، وصرح بذلك مع اندراجه في تكذيب الآيات للاعتناء به، وقوله تعالى: {فَأُوْلَئكَ} إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة من الكفر والتكذيب بآياته تعالى وبلقاء الآخرة للإيذان بكمال تميزهم بذلك عن غيرهم وانتظامهم في سلك المشاهدات، وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإشعار ببعد منزلتهم في الشر أي فأولئك الموصوفون بما ذكر من القبائح {فى العذاب مُحْضَرُونَ} على الدوام لا يغيبون عنه أبدًا، والظاهر أن الفسقة من أهل الإيمان غير داخلين في أحد الفريقين أما عدم دخولهم في الذين كفروا وكذبوا بالآيات والبعث فظاهر وأما عدم دخولهم في {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الروم: 15] فأما لأن ذلك لا يقال في العرف إلا على المؤمنين المجتنبين للمفسقات على ما قيل، وأما لأن المؤمن الفاسق يصدق على المؤمن الذي لم يعمل شيئًا من الصالحات أصلًا فهم غير داخلين في ذلك باعتبار جميع الأفراد وحكمهم معلوم من آيات أخر فلا تغفل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ ثُمَّ إلَيْه تُرْجَعُونَ (11)}.
استئناف ابتدائي، وهو شروع فيما أُقيمت عليه هذه السورة من بسط دلائل انفراد الله تعالى بالتصرف في الناس بإيجادهم وإعدامهم وبإمدادهم وأطوار حياتهم، لإبطال أن يكون لشركائهم شيء من التصرف في ذلك.
فهي دلائل ساطعة على ثبوت الوحدانية التي عمُوا عنها.
وإذا كان نزول أول السورة على سبب ابتهاج المشركين لتغلب الفرس على الروم فقطع الله تطاولهم على المسلمين بأن أخبر أن عاقبة النصر للروم على الفرس نصرًا باقيًا، وكان مثار التنازع بين المشركين والمؤمنين ميل كل فريق إلى مقاربه في الدين جُعل ذلك الحدثُ مناسبة لإفاضة الاستدلال في هذه السورة على إبطال دين الشرك.
وقد فُصّلت هذه الدلائل على أربعة استئنافات متماثلة الأسلوب، ابتُدىء كل واحد منها باسم الجلالة مُجْرى عليه أخبار عن حقائق لا قبَل لهم بدحضها لأنهم لا يسعهم إلا الإقرار ببعضها أو العجز عن نقض دليلها.
فالاستئناف الأول المبدوء بقوله: {الله يبدأ الخلق ثم يعيده} والثاني المبدوء بقوله: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم} [الروم: 40]، والثالث المبدوء بقوله: {الله الذي يرسل الرياح} [الروم: 48]، والرابع المبدوء بقوله: {الله الذي خلقكم من ضعف} [الروم: 54].
فأما قوله: {الله يبدأ الخلق ثم يعيده} فاستدلال بما لا يسعهم إلا الاعتراف به وهو بدء الخلق إذ لا ينازعون في أن الله وحدَه هو خالق الخلق ولذلك قال الله تعالى: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} [الرعد: 16] الآية.
وأما قوله: {ثم يعيده} فهو إدماج لأنه إذا سُلم له بدء الخلق كان تسليم إعادته أولى وأجدر.
وحسن موقع الاستئناف وروده بعد ذكر أمم غابرة وأمم حاضرة خلف بعضها بعضًا، وإذ كان ذلك مثالًا لإعادة الأشخاص بعد فنائها وذُكر عاقبة مصير المكذبين للرسل في العاجلة، ناسب في مقام الاعتبار أن يقام لهم الاستدلال على إمكان البعث ليقع ذكر ما يعقبه من الجزاء موقع الإقناع لهم.
وتقديم اسم الجلالة على المسند الفعلي لمجرد التقوّي.
و{ثم} هنا للتراخي الرتبي كما هو شأنها في عطف الجمل، وذلك أن شأن الإرجاع إلى الله أعظم من إعادة الخلق إذ هو المقصد من الإعادة ومن بدءْ الخلق.
فالخطاب في {ترجعون} للمشركين على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.
وقرأ الجمهور {ترجعون} بتاء الخطاب.
وقرأه أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وروح عن يعقوب بياء الغيبة على طريقة ما قبله.
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلسُ الْمُجْرمُونَ (12)}.
عطف على جملة {ثم إليه ترجعون} [الروم: 11] تبيينًا لحال المشركين في وقت ذلك الإرجاع كأنه قيل: ثم إليه ترجعون ويومئذ يُبلس المجرمون.
وله مزيد اتصال بجملة {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السُّوأى} [الروم: 10]، وكان مقتضى الظاهر أن يقال ويومئذ يُبلس المجرمون أو يومئذ تُبلسون، أي ويوم ترجعون إليه يبلس المجرمون، فعدل عن تقدير الجملة المضاف إليها {يوم التي يدل عليها إليه ترجعون} [الروم: 11] بذكر جملة أخرى هي في معناها لتزيد الإرجاع بيانًا أنه إرجاع الناس إليه يوم تقوم الساعة، فهو إطناب لأجل البيان وزيادة التهويل لما يقتضيه إسناد القيام إلى الساعة من المباغتة والرعب.
ويدل لهذا القصد تكرير هذا الظرف في الآية بعدها بهذا الإطناب.
وشاع إطلاق الساعة على وقت الحشر والحساب.
وأصل الساعة: المقدار من الزمن ويتعين تحديده بالإضافة أو التعريف.
والإبلاس: سكون بحَيْرة.
يقال: أبلس إذا لم يجد مخرجًا من شدة هو فيها.
وتقدم عند قوله تعالى: {إذا هم فيه مبلسون} في سورة المؤمنين (77).
والمجرمون: المشركون، وهم الذين أجريت عليهم ضمائر الغيبة وضمائر الخطاب بقرينة قوله: {ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء}.
والإظهار في مقام الإضمار لإجراء وصف الإجرام عليهم وكان مقتضى الظاهر أنه يقال: تبلسون، بالخطاب أو بياء الغيبة.
ووصفوا بالإجرام لتحقير دين الشرك وأنه مشتمل على إجرام كبير.
وقد ذكر أحد أسباب الإبلاس وأعظمها حينئذ وهو أنهم لم يجدوا شفعاء من آلهتهم التي أشركوا بها وكانوا يحسبونها شفعاء عند الله، فلما نظروا وقلبوا النظر فلم يجدوا شفعاء خابوا وخسئوا وأبلسوا، ولهم أسباب خيبة أخرى لم يتعلق الغرض بذكرها.
وأما ما ينالهم من العذاب فذلك حالة يأس لا حالة إبلاس.
و{من} تبعيضية وليس الكلام من قبيل التجريد.
ونفيُ فعل يكن ب {لم} التي تخلص المضارع للمضي للإشارة إلى تحقيق حصول هذا النفي مثل قوله: {أتى أمر الله} [النحل: 1].
ومقابلة ضمير الجمع بصيغة جمع الشركاء من باب التوزيع، أي لم يكن لأحد من المجرمين أحد شفيع فضلًا عن عدة شفعاء.
وكذلك قوله: {وكانوا بشركائهم كافرين} لأن المراد أنهم يكفرون بهم يوم تقوم الساعة كقوله تعالى: {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضًا} [العنكبوت: 25].
وكتب في المصحف {شُفَعَؤُا} بواو بعد العين وألف بعد الواو، أرادوا بالجمع بين الواو والألف أن ينبهوا على أن الهمزة مضمومة ليعلم أن {شفعاء} اسمُ كان وأن ليس اسمها قوله: {من شركائهم} بتوهم أن {منْ} اسم بمعنى بعض أو أنها مزيدة في النفي فأثبتوا الواو تحقيقًا لضم الهمزة وأثبتوا الألف لأن الألف صورة للهمزة.
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)}.
أعيد {ويوم تقوم الساعة} لزيادة التهويل الذي تقدم بيانه آنفًا.
وكرر {يومئذ} لتأكيد حقيقة الظرفية.
ولما ذُكر إبلاس المشركين المشعر بتوقعهم السوء والعذاب أعقب بتفصيل أحوال الناس يومئذ مع بيان مغبة إبلاس الفريق الكافرين.
والضمير في {يتفرقون} عائد إلى معلوم من المقام دل عليه ذكر المجرمين فعلم أن فريقًا آخر ضدهم لأن ذكر إبلاس المجرمين يومئذ يفهم أن غيرهم ليسوا كذلك على وجه الإجمال.
والتفرق: انقسام الجمع وتشتت أجزاء الكل.
وقد كني به هنا عن التباعد لأن التفرق يلازمه التباعد عرفًا.
وقد فُصل التفرق هنا بقوله: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات} إلى آخره.
والروضة: كل أرض ذات أشجار وماء وأزهار في البادية أو في الجنان.
ومن أمثال العرب: أحسن من بيضة في روضة يريدون بيضة النعامة.
وقد جمع محاسن الروضة قول الأعشى:
ما روضة من رياض الحَزن معشبة ** خضراءُ جاد عليها مُسبلٍ هَطل

يُضاحك الشمسَ منها كوكب شَرق ** مُؤَزَّر بعميم النبت مكْتَهلُ

و{يحبرون} يُسَرُّون من الحُبور، وهو السرور الشديد.
يقال: حبره، إذا سره سرورًا تهلل له وجهه وظهر فيه أثره.
{ومحضرون} يجوز أن يكون من الإحضار، أي: جعل الشيء حاضرًا، أي: لا يغيبون عنه، أي: لا يخرجون منه، وهو يفيد التأييد بطريق الكناية لأنه لما ذكر بعد قوله: {في العَذاب} ناسب أن لا يكون المقصود من وصفهم المحضرين أنهم كائنون في العذاب لئلا يكون مجرد تأكيد بمدلول في الظرفية فإن التأسيس أوقع من التأكيد، ويجوز أن يكون محضَرون بمعنى مأتيٌّ بهم إلى العذاب فقد كثر في القرآن استعمال محضر ونحوه بمعنى معاقب، قال تعالى: {ولقد علمت الجنّة إنهم لمُحضرون} [الصافات: 158]، واسم الإشارة تنبيه على أنهم أحرياء بتلك العقوبة لأجل ما ذكر قبل اسم الإشارة كقوله: {أولئك على هدى من ربهم} [البقرة: 5].
وكتب في رسم المصحف {ولقائي} بهمزة على ياء تحتية للتنبيه على أن الهمزة مكسورة وذلك من الرسم التوقيفي، ومقتضى القياس أن تكتب الهمزة في السطر بعد الألف. اهـ.

.قال الشعراوي:

{اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ ثُمَّ إلَيْه تُرْجَعُونَ (11)}.
هل بدأ الله الخلق بالفعل، أم مازال يبدأ الخلق؟ الأسلوب هنا أسلوب ربٍّ يتكلم، فهو سبحانه بدأ الخَلْق أصوله أولًا، وما يزال خالقًا سبحانه، وما دام هو الذي خلق بَدْءًا، فهو الذي يعيد {الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ} [الروم: 11].
وفي أعراف البشر أن إعادة الشيء أهون من ابتدائه؛ لأن الابتداء يكون من عدم، أما الإعادة فمن موجود، لذلك يقول الحق سبحانه: {وَهُوَ الذي يَبْدَؤُا الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} [الروم: 27] أي: بمقاييسكم وعلى قَدْر فَهْمكم، لكن في الحقيقة ليس هناك هَيّن وأهون في حقه تعالى؛ لأنه سبحانه لا يفعل بمزاولة الأشياء وعلاجها، إنما بكُنْ فيكون، لكن يخاطبنا سبحانه على قَدْر عقولنا.
فالحق سبحانه بدأ الخلق وما يزال سبحانه يخلق، وانظر مثلًا إلى الزرع تحصده وتأخذ منه التقاوي للعام القادم، وهكذا في دورة مستمرة بين بَدْء وإعادة {الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ} [الروم: 11].
وسبق أنْ ضربنا مثلًا بالوردة الغضَّة الطرية بما فيه من جمال في المنظر والرائحة، فإذا ما قُطفتْ جفَّتْ، لأن المائية التي بها تبخرتْ، وكذلك رائحتها ولونها انتشر في الأثير، ثم يتفتت الباقي ويصير ترابًا، فإذا ما زرعت وردة جديدة أخذت من المائية التي تبخرت ومن اللون ومن الرائحة التي في الجو.
وهكذا تبدأ دورة وتنتهي أخرى؛ لأن مُقوّمات الحياة التي خلقها الله هي هي في الكون، لا تزيد ولا تنقص، فالماء في الكون كما هو منذ خلقه الله: هَبْ أنك شربت طوال حياتك عشرين طنًا من الماء، هل تحمل معك هذا الماء الآن؟ لا إنما تَمَّ إخراجه على هيئة عرق وبول ومخاط وصماخ أذن. إلخ، وهذا كله تبخَّر ليبدأ دورة جديدة.
ثم يقول سبحانه: {ثُمَّ إلَيْه تُرْجَعُونَ} [الروم: 11] نلحظ أن الكلام هنا عن الخَلْق {الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ ثُمَّ} [الروم: 11] لكن انتقل السياق من المفرد إلى الجمع {ثُمَّ إلَيْه تُرْجَعُونَ} [الروم: 11] ولم يقل يرجع أي: الخلْق، فلماذا؟